أبو طارق نائب المدير العام
عدد المساهمات : 72 تاريخ التسجيل : 25/03/2009
| موضوع: مختارات (إن مع العسر يسرا) الأحد مارس 29, 2009 11:59 pm | |
| (إن مع العسر يسرا) يا أيّها الإنسان.. بعد الجوع شبع، وبعد الظمإ ريّ، وبعد السهر نوم، وبعد المرض عافية، سوف يصل الغائب، ويهتدي الضالّ، ويفكّ العاني، وينقشع الظلام (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو بأمر من عنده). بشّر الليل بصبح صادق سوف يطارده على رؤوس الجبال ومسارب الأودية، بشّر المهموم بفرج مفاجئ يصل في سرعة الضوء ولمح البصر، بشّر المنكوب بلطف خفيّ وكفّ حانية وادعة. إذا رأيت الصحراء تمتد وتمتد، فاعلم أن وراءها رياضاً خضراء وارفة الظلال. إذا رأيت الحبل يشتد ويشتد، فاعلم أنه سوف ينقطع. مع الدمعة بسمة، ومع الخوف أمن، ومع الفزع سكينة. فلا تضق ذرعاً، فمن المحال دوام الحال، وأفضل العبادة انتظار الفرج، الأيام دول، والدهر قُلّب، والليالي حبالى، والغيب مستور، والحكيم كل يوم هو في شأن، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، وإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً.
د / عائض بن عبد الله القرني
------------------- أبشر ولا تحزن في الحديث عن الترمذي: (أفضل العبادة انتظار الفرج) وكما قال سبحانه: (أليس الصبح بقريب)!.. صبح المهمومين والمغمومين لاح، فانظر إلى الصباح وارتقب الفتح من الفتّاح، تقول العرب: (إذا اشتد الحبل انقطع) والمعنى إذا تأزمت الأمور، فانتظر فرجاً ومخرجاً. وقال سبحانه وتعالى: (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً) وفي الحديث الصحيح: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء) وقوله تعالى: (فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا) قال عمر بن الخطاب – وبعضهم يجعله حديثاً- : (لن يغلب عسرٌ يسرين)، ومعنى الآية أنه لما عرّف العسر ونكّر اليسر، ومن عادة العرب إذا ذكرت اسماً معرّفاً ثم أعادته فهو هو، وإذا نكّرته ثم كررته فهو اثنان. وقال سبحانه: (إن رحمة الله قريب من المحسنين)، وفي الحديث الصحيح: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب)، وقال الشاعر:
إذا تضايق أمر فانتظر فرجاً ........... فأقرب الأمر أدناه إلى الفرج
يقول بعض المؤلفين: إن الشدائد – مهما تعاظمت وامتدت- لا تدوم على أصحابها، ولا تخلد على مصابها، بل إنها أقوى ما تكون اشتداداً وامتداداً واسوداداً، أقرب ما تكون انقشاعاً وانفراجاً وانبلاجا، عن يسر وملاءة، وفرج وهناءة، وحياة رخيَّة مشرقة وضّاءة، فيأتي العون من الله والإحسان عند ذروة الشدة والامتحان، وهكذا نهاية كل ليل غاسق فجر صادق.
فما هي إلا ساعة ثم تنقضي ......... ويحمد غِبَّ السير من هو سائر
حرّ العطش وبرد الفرج قال أحد السلف: كنت في طريق الحجاز فعطش الناس في مفازة تبوك، فنفذ الماء ولم يوجد إلا عند صاحب لي جمّال، فجعل يبيعه بالدنانير بأرفع الأثمان فجاء رجل كان موسوماً بالصلاح عليه قطعة نطع يحمل ركوة، ومعه شيء من دقيق فتشفّع بي إلى الجمّال أن يبيعه الماء بذلك الدقيق، فكلّمته فأبى عليّ ثم عاودته فأبى. قال: فبسط الرجل النطع ونثر عليه الدقيق ثم رمق السماء بطرفه وقال: إلهي أنا عبدك وهذا دقيقك ولا أملك غيره، وقد أبى أن يقبله. ثم ضرب بيده النطع وقال: وعزّتك وجلالك لا برحت حتى أشرب! فوالله ما تفرقنا حتى نشأ السحاب وأمطر في الحين فشرب الماء ولم يبرح. فكان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: رُبَّ ذي طمرين لا يُؤبَهُ له مطروح بالأبواب لو أقسم على الله لأبَّره.
يا مجيب الدعوات أصاب الفقر والحاجة شيخ القراء في زمانه عاصم بن أبي إسحاق، فذهب إلى بعض إخوانه فأخبره بأمره، فرأى في وجهه الكراهة، فضاق صدره وخرج لوحده إلى الصحراء، وصلى لله ما شاء الله تعالى، ثم وضع وجهه على الأرض، وقال: يا مسبّب الأسباب! يا مفتَّح الأبواب! ويا سامع الأصوات! يا مجيب الدعوات! يا قاضي الحاجات! اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمّن سواك، يلح على الله بهذا الدعاء- حتى قال: فوالله ما رفعت رأسي حتى سمعت وقعة بقربي، فرفعت رأسي فإذا بحدأة طرحت كيساً أحمر، فأخذت الكيس فإذا فيه ثمانون ديناراً وجوهراً ملفوفاً في قطنة، فبعت الجواهر بمال عظيم واشتريت منها عقاراً، وحمدت الله تعالى على ذلك.
------------------- فيما يفرج به الهم والغم دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم، فرأى فيه رجلاً من الأنصار، يقال له أبو أمامة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إني أراك جالساً في المسجد في غير وقت صلاة، قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله! قال صلى الله عليه وسلم: أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك، فأذهب الله تعالى همي وغمي وقضى عني ديني..
لا حول ولا قوة إلا بالله جاء مالك الأشجعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أُسر ابني عوف. فقال له: أرسل إليه فقل له إن رسول الله يأمرك أن تكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله. فأتاه الرسول فأخبره، فأكب يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. وكانوا قد شدوه بالقد فسقط عنه فخرج فإذا هو بناقة لهم فركبها فإذا هو يسرح القوم الذين شدوه فصاح بها فأتبع آخرها أولها فلم يفاجئ أبويه إلا وهو ينادي بالباب، فقال أبوه: عوف، ورب الكعبة،.. فقالت أمه: واسوأتاه عوف كئيب بألم ما فيه من القد.. فاستبق الأب والخادم إليه فإذا عوف قد ملأ الفناء إبلا. فقص على أبيه أمره فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: اصنع ما كنت صانعا بإبلك ونزل قوله تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب).
فادع بهذا الدعاء عن أصبغ بن زيد قال: مكثت أنا ومن عندي ثلاثاً لم نطعم شيئا –أي: من الجوع- فخرجت إلي ابنتي الصغيرة وقالت: يا أبتِ! الجوع! –تشكو الجوع- قال: فأتيت الميضأة، فتوضأت وصليت ركعتين، وأُلهمت دعاء دعوت به، في آخره: اللهم افتح عليّ منك رزقاً لا تجعل لأحد عليّ فيه مِنَّةً، ولا لك عليّ في الآخرة فيه تبعة، برحمتك يا أرحم الراحمين! ثم انصرفت إلى البيت، فإذا بابنتي الكبيرة وقد قامت إليّ وقالت: يا أبه! جاء رجل يقول إنّه عمي بهذه الصرة من الدراهم وبحمّال عليه دقيق، وحمّال عليه من كل شيء في السوق، وقال: أقرئوا أخي السلام وقولوا له: إذا احتجت إلى شيء فادع بهذا الدعاء، تأتك حاجتك، قال أصبغ بن زيد: والله ما كان لي أخ قط، ولا أعرف من كان هذا القائل، ولكن الله على كل شيء قدير.
أتدلُّ العبادَ على الله ثم تنساه؟! عن شقيق البلخي قال: كنت في بيتي قاعداً فقال لي أهلي: قد ترى ما بهؤلاء الأطفال من الجوع، ولا يحل لك أن تحمل عليهم ما لا طاقة لهم به، قال: فتوضأت وكان لي صديقٌ لا يزال يقسم علي بالله إن يكن بي حاجة أعلمه بها ولا أكتمها عنه، فخطر ذكره ببالي، فلما خرجت من المنزل مررت بالمسجد، فذكرت ما روي عن أبي جعفر قال: من عرضتْ له حاجة إلى مخلوق فليبدأ فيها بالله عز وجل، قال: فدخلت المسجد فصليت ركعتين، فلما كنت في التشهد، أفرغ عليَّ النوم، فرأيت في منامي أنه قيل: يا شقيق! أتدل العباد على الله ثم تنساه؟! قال: فاستيقظت وعلمت أن ذلك تنبيه نبهني به ربي، فلم أخرج من المسجد حتى صليت العشاء الآخرة، ثم تركت الذهاب لصاحبي وتوكلت على الله، وانصرفت إلى المنزل فوجدت الذي أردت أن أقصد قد حركه الله وأجرى لأهلي على يديه ما أغناهم..
إبراهيم التميمي في سجن الحجاج لما أُدخل إبراهيم التميمي سجنَ الحجاج رأى قوما مقرّنين في سلاسل، إذا قاموا قاموا معا، وإذا قعدوا قعدوا معا، فقال: يا أهل بلاء الله في نعمته، ويا أهل نعمة الله في بلائه، إن الله عز وجل قد رآكم أهلا ليبتليكم، فأروه أهلا للصبر، فقالوا: من أنت رحمك الله؟ قال: أنا ممن يتوقع من البلاء مثلما أنتم عليه، فقال أهل السجن: ما نحب أنَّا خرجنا.
اذكرني عند ربك قال أحدهم: صحبنا إبراهيم التميمي إلى سجن الحجاج، فقلنا له: أوصنا، فقال: أوصيكم أن تذكروني عند الرب الذي فوق الرب الذي سأل يوسف أن يذكره عند ربه.
الفرج قال الفضيل بن عياض رحمه الله وهو يحدث عن (إبراهيم التميمي) إن إبراهيم قال: إن حبسني (يعني الحجاج) فهو أهون علي، ولكن أخاف أن يبتليني فلا أدري على ما أكون عليه؟ (يعني من الفتنة)، فحبسني، فدخلت على اثنين في قيد واحد، في مكان ضيق لا يجد الرجل إلا موضع مجلسه، فيه يأكلون، وفيه يتغوطون، وفيه يصلّون قال: فجيء برجل من أهل البحرين، فأدخل علينا، فلم يجد مكانا، فجعلوا يتبرمون منه، فقال: اصبروا، فإنما هي الليلة، فلما كان الليل قام يصلي، فقال: يا رب مننت علي بدينك، وعلمتني كتابك، ثم سلطت علي شر خلقك، يا رب الليلة الليلة، لا أصبح فيه، فما أصبحنا حتى ضَرب بوّابُ السجن: أين البحراني؟ فقلنا: ما دعا به الساعة إلا ليقتل، فخُلَّيَ سبيلُه، فجاء فقام على الباب، فسلم علينا، وقال: أطيعوا الله لا يعصكم..
-------------------
مع الشيخ عائض القرني
ضل من تدعون إلا إياه يقول الشيخ عائض القرني: في عام 1413 هـ سافرت من الرياض إلى مدينة الدمام، فوصلت ما يقارب الساعة الثانية عشرة ظهراً، ونزلت المطار وأنا أريد صديقاً لي، ولكنه كان في عمله ولا يخرج إلا متأخراً، فذهبت إلى فندق هناك، وأخذت سيارة إلى ذاك المكان، فلما دخلت الفندق لم أجد فيه كثير ناس وليس الموسم موسم عطل ولا زوار واستأجرت غرفةً في الفندق وكانت في الدور الرابع، بعيدة عن الموظفين والعمال، ولا أحد معي في الفندق، ودخلت الغرفة ووضعت حقيبتي على السرير، وأتيت لأتوضأ، وأغلقت غرفة الوضوء، فلما انتهيت من الوضوء أتيت لأفتح الباب فوجدته مغلقاً لا يُفتح، وحاولت أن أفتح الباب بكل وسيلة ولكن ما انفتح لي، وأصبحت داخل هذا المكان الضيق، فلا نافذة تشرف، ولا هاتف أتصل به، ولا قريب أناديه، ولا جار أدعوه، وتذكرت رب العزة سبحانه، ووقفت في مكاني ثلث ساعة وكأنهُ ثلاثة أيام، سال العرق، ورجف منها القلب، واهتز منها الجسم لقضايا، منها: أنه في مكان غريب عجيب ومنها: أن الأمر مفاجئ، ومنها: أنه ليس هناك اتصال فيُخْبَرُ صديق أو قريب، ثم إن المكان ليس لائقاً، وأتت العبر والذكريات، وماجت الأحداث في ثلث ساعة!.. وفي الأخير فكرت أن أهز الباب هزاً، وبالفعل بدأت بهز الباب بجسم ناحل ضعيف، مرتبك واكتشفت أن قطعة الحديد تُفتح رويداً رويداً كعقرب الساعة، فهززت الباب وكلما تعبت توقّفت، ثم واصلت، وفي النهاية فتح الباب!.. وكأنني خرجت من قبر وعدت إلى غرفتي، وحمدت الله على ما حدث، وذكرت ضعف الإنسان، وقلة حيلته، وملاحقة الموت له، وذكرت تقصيرنا في أنفسنا وفي أعمارنا، ونسياننا لآخرتنا.
** المرجع: مجلة مساء العدد (44) شعبان 1429هـ
| |
|
عــ(الدين)ــلاء مؤسس المنتدى
عدد المساهمات : 190 تاريخ التسجيل : 24/03/2009 العمر : 38 الموقع : https://cssw.ahlamontada.net
| موضوع: رد: مختارات (إن مع العسر يسرا) الإثنين مارس 30, 2009 1:29 am | |
| مشكور أخي أبو طارق
وجزاك الله خيرا | |
|